responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 150
فَعَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّاتِ يَأْتِي الْوَحْيُ لِلْأَنْبِيَاءِ وَيَخْتَصُّ الْقُرْآنُ بِمَزِيَّةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ كَلَامًا يَعِيهِ الْمَلَكُ وَيُؤْمَرُ بِإِبْلَاغِهِ بنصه دون تغير إِلَى مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَالْقَوْلُ فِي مَوْقِعِ جُمْلَةِ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ كَالْقَوْلِ فِي جُمْلَةِ إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [الشورى: 50] السَّابِقَةِ، وَإِنَّمَا أُوثِرَ هُنَا صِفَةُ الْعَلِيِّ الْحَكِيمِ لِمُنَاسَبَتِهِمَا لِلْغَرَضِ لِأَنَّ الْعُلُوَّ فِي صِفَةِ الْعَلِيِّ عُلُوُّ عَظَمَةٍ فَائِقَةٍ لَا تُنَاسِبُهَا النُّفُوسُ الْبَشَرِيَّةُ الَّتِي لَمْ تَحْظَ مِنْ جَانِبِ الْقُدْسِ بِالتَّصْفِيَةِ فَمَا كَانَ لَهَا أَنْ تَتَلَقَّى مِنَ اللَّهِ مُرَادَهُ مُبَاشَرَةً فَاقْتَضَى عُلُوُّهُ أَنْ يَكُونَ تَوْجِيهُ خِطَابِهِ إِلَى الْبَشَرِ بِوَسَائِطَ يُفْضِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ لِأَنَّ ذَلِكَ كَمَا يَقُولُ الْحُكَمَاءُ: اسْتِفَادَةُ الْقَابِلِ مِنَ الْمَبْدَأِ تَتَوَقَّفُ عَنِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُمَا. وَأَمَّا وَصْفُ الْحَكِيمِ فَلِأَنَّ مَعْنَاهُ الْمُتْقِنُ لِلصُّنْعِ الْعَالِمُ بِدَقَائِقِهِ وَمَا خِطَابُهُ الْبَشَرَ إِلَّا لِحِكْمَةِ إِصْلَاحِهِمْ وَنِظَامِ عَالَمِهِمْ، وَمَا وُقُوعُهُ عَلَى تِلْكَ الْكَيْفِيَّاتِ الثَّلَاثِ إِلَّا مِنْ أَثَرِ الْحِكْمَةِ لِتَيْسِيرِ تَلَقِّي خِطَابِهِ، وَوَعْيِهِ دُونَ اخْتِلَالٍ فِيهِ وَلَا خُرُوجٍ عَنْ طَاقَةِ الْمُتَلَقِّينَ.
وَانْظُرْ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [143] ، وَعِنْدَ قَوْلِهِ: فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ [6] .
[52، 53]

[سُورَة الشورى (42) : الْآيَات 52 الى 53]
وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)
وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا.
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً [الشورى: 51] الْآيَةَ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَيْهِمْ أَنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَعْقَبَ بِهِ إِبْطَالَ شُبْهَتِهِمُ الَّتِي تَقَدَّمَ لِإِبْطَالِهَا قَوْلُهُ:
وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً الْآيَةَ، أَيْ كَانَ وَحْيُنَا إِلَيْكَ مِثْلَ كَلَامِنَا الَّذِي
كَلَّمْنَا بِهِ مَنْ قَبْلِكَ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ والنبيئين من بعده [النِّسَاء: 163] . وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا هُوَ قَوْلُهُ: مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 150
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست